فصل: ثم دخلت سنة ثلـاث وثمانيـن ومائتيـن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  وفاة أحمد بن طولون

وفي هذه السنة توفي أحمد بن طولـون صاحـب مصـر والشـام بعـد مسيـره إِلـى طرسـوس ورجوعه منهـا ولمـا وصـل إِلـى إنطاكيـة قُـدم لـه لبـن جامـوس فأكثـر منـه فأصابـه منـه تخمـة واتصلت به حتى صار منها ذرب حتى مات وكانت إِمارته نحو ست وعشرين سنة وكان حازماً عاقلاً وهو الذي بنى قلعة يافا ولم يكن لها قبل ذلك قلعة وبنى بين مصر والقاهرة الجامع المعروف به وهو جامع عظيم مشهور هناك وولى بعده ابنه خمارويه‏.‏

وفي هذه السنة توفي محمد بن إِسحاق بن جعفر الصاغاني وداود بن علي الأصفهاني إِمام أصحاب الظاهر وكان مولده سنة اثنتين ومائتين وكان إِماماً مَجتهداً ورعاً زاهداً وسمي هو وأصحابه بأهل الظاهر لأخذهم بظاهر الآثار والأخبار وإعراضهم عن التأويل وكان داود لا يرى القياس في الشريعة ثم اضطر إِليه فسماه دليلاً وله أحكام خالف فيها الأئمـة الأربـدة منهـا أنـه قال‏:‏ الشرب خاصة في آنية الذهب والفضة حرام ويجوز الأكل والترضي وغيرهما من الانتفاعـات بهـا لـأن النبـي صلـى اللـه عليـه وسلم إِنما قال‏:‏ ‏(‏الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إِنما يجرجر في بطنه نار جهنم‏)‏ وله مثل ذلك كثير‏.‏

  ثم دخلت سنة إِحدى وسبعين ومائتين

في هذه السنة جرت وقعة بيـن ابـن الموفـق وهـو المعتضد وبين خمارويه بن أحمد بـن طولـون صاحـب مصـر‏.‏

آخرهـا أن المعتضـد انهـزم هـو وأصحابه وكانت الوقعة بين دمشق والرملة وانهزم خمارويه إِلى حدود مصر وثبت عسكـره ولم يعلموا بهزيمته وانهزم المعتضد ولم يعلم بهزيمة خمارويه‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وسبعيـن ومائتيـن

وسنـة ثلـاث وسبعيـن ومائتيـن فـي هـذه السنـة توفـي محمـد بـن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام الأموي صاحب الأندلس سلخ صَفَر‏.‏

وكان عمره نحو خمس وستين سنـة وكانـت ولايتـه أربعـاً وثلاثيـن سنـة وأحـد عشـر شهـراً‏.‏

لأنـه تولـى فـي سنـة ثمـان وثلاثيـن ومائتين وخلف ثلاثة وثلاثين ذكراً لما مات وليَ بعده ابنه المنذر بن محمد وبويع له بعد موت أبيه بثلاث ليال‏.‏

وفيه هذه السنة مات أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني صاحب كتاب السنن وفيها توفي خالد بن أحمد السدوسي وكان أمير خراسان وقصد الحج فقبض عليه المعتمد وحبسه فمات في الحبس في هذه السنة وهو الذي أخرج البخاري صاحب وفيهـا توفـي الحافـظ محمـد بـن يزيد بن ماجة القويني المشهور مصنف كتاب السنن في الحديث‏.‏

وكان إِماماً في الحديث عارفاً بعلومه وجميع ما يتعلق به ارتحل إِلى العراق والشـام ومصـر والري لطلب الحديث وله تفسير العظيم وتاريخٌ أحسنَ فيه‏.‏

وكتابه في الحديث أحد الكتب الستة الصحاح ولادته سنة تسع ومائتين‏.‏

  ثم دخلت سنة أربـع وسبعيـن ومائتيـن

وسنـة خمـس وسبعيـن ومائتيـن في هذه السنة قبض الموفق على ابنه المعتضد واستمر في الحبر حتى خرج في مرض الموفق الذي مات فيه‏.‏

وفيها توفي المنذر بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم الربضي بن هشام الأموي صاحب الأندلس في المحرم وكانت ولايته سنة وأحد عشر شهراً وكان عمره نحو ست وأربعين سنة وكان أسمر بوجهه أثر جدري‏.‏

ولما مات بويع أخوه عبد الله بن محمد‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفـي أبـو سعيـد الحسيـن بـن الحسـن بـن عبد الله البكري النحوي اللغوي المشهور صاحب التصانيف‏.‏

  ثم دخلت سنة سـت وسبعيـن ومائتيـن

فيهـا مـات عبـد الملـك بـن محمـد الرقاشي‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وسبعين ومائتين

فيها مات يعقوب بن سفيان النسائي الإمام وكان يتشيع‏.‏

وفيها توفيت عُريب المغنية المأمونية‏.‏

  وفاة الموفق بالله

فيها توفي أبو أحمد طلحة الموفق بالله بن جعفر المتوكل وكان قد حصل في رجله داء الفيل وطال به وضجر فقال يوماً‏:‏ قد اشتمل ديواني على مائة ألف مرتزق ما فيهم أسوأ حال مني ومات الموفق يوم الأربعاء لثمان بقين من صفر من هذه السنة وكان الموفق قد بويع له بولاية العهد بعد المفوض بن المعتمد فلما مات الموفق اجتمع القواد وبايعوا ابنه أبا العباس المعتضد بن الموفق بولاية العهد بعد المفوض واجتمع عليه أصحاب أبيه وتولى ما كان أبوه يتولاه‏.‏

ابتداء أمر القرامطة وفي هذه السنة تحرك بسواد الكوفة قوم يعرفون بالقرامطة وكان الشخص الذي دعاهم إِلى مذهبه ودينه قد مرض بقرية من سواد الكوفة فحمله رجل من أهل القرية يقال له كرميتـه لحمرة عينيه وهو بالنبطية اسم لحمرة العين فلما تعافى شيخ القرامطة المذكور سمي باسم ذلك الرجل ثم خفف فقالوا قرمط ودعا قوماً من أهل السواد والبادية ممن ليس لهم عقل ولا دين إِلى دينه فأجابوا إِليه وكان ما دعاهم إِليه أنه جاء بكتاب فيه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم يقول الفرج بن عثمان وهو من قرية يقال لها نصرانة إِنه داعية المسيح وهو عيسى وهو الكلمة وهو المهدي وهو أحمد بن محمد بن الحنفية وهو جبريل وإن المسيح تصور في جسم إِنسان وقال‏:‏ إِنك الداعية وإنك الحجة وإنك الدابة وإنك يحيى بن زكريا وإنك روح القدس‏.‏

وعرفه أنّ الصلاة أربع ركعات ركعتان قبل طلوع الشمس وركعتان قبل غروبها وأن الـأذان فـي كـل صلاة أن يقول المؤذن‏:‏ الله أكبر ثلاث مرات أشهد أن لا إِله إِلا الله مرتين أشهد أن آدم رسول الله أشهد أن نوحاً رسول اللـه أشهـد أن إِبراهيـم رسـول اللـه أشهـد أن عيسـى رسـول اللـه أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن أحمد بن محمد بن الحنفية رسول الله والقبلة إِلى بيت المقدس وأن الجمعة يوم الاثنين لا يعمل فيها شيئاً ويقرأ في كل ركعة الاستفتاح وهو المنزل على أحمد بن محمد بن الحنفية وهو الحمد لله بكلمته وتعالى باسمه المنجد لأوليائه بأوليائه قل إِن الأهلة مواقيت للناس ظاهرها ليعلم عدد السنين والحساب والشهور والأيـام وباطنهـا لأوليائي الذين عرفوا عبادي سبيلي واتقوني يا أولي الألباب وأنا الذي لا أُسأل عما أفعل وأنا العليم الحليم وأنا الذي أبلو عبادي وأمتحن خلقي فمن صبر على بلائي ومحبتي واختياري أدخلته في جنتي وأخلدته في نعيمي ومن زال عن أمري وكذب رسلي أخلدته مهاناً في عذابي وأتممت أجلي وأظهرت أمري على ألسنة رسلي وأنا الذي لم يعل جبار إِلا وضعته ولا عزيز إِلا ذللته وبئس الذي أصر على أمره ودام على جهالته وقال‏:‏ لن نبرح عليه عاكفين وبه موقنيـن أولئـك هـم الكافـرون ثـم يركـع‏.‏

ومـن شرائعـه أن يصـوم يوميـن مـن السنـة وهمـا المهرجان والنيروز وأن النبيذ حرام والخمر حلـال ولا غسـل مـن جنابـة لكـن الوضـوء كوضـوء الصلاة وأن يؤكل كل ذي ناب وكل ذي مخلب‏.‏

  ثم دخلت سنة تسـع وسبعيـن ومائتيـن

فـي هـذه السنـة خلـع المعتمـد ابنـه جعفر المفوض ابن المعتمد من ولاية العهد وجعل المعتضد ابن أخيه ولي العهد بعده‏.‏

  وفاة المعتمد

وفـي هـذه السنـة أعنـي سنـة تسـع وسبعيـن ومائتيـن توفـي أحمـد المعتضـد باللـه ابـن جعفر المتوكل بن المعتصم لإحدى عشرة بقيت من رجب ببغداد وكان قد شرب على الشط وتعشى وأكثر من الشراب والأكل فمات ليلاً وأحضر المعتضد القضاة وأعيان الناس فنظروا إِليه وحمل إِلى سرمن رأى فدفن بها وكـان عمـر المعتمـد خمسيـن سنـة وستـة أشهـر وكانـت خلافتـه ثلاثـاً وعشريـن سنـة وستـة أيـام‏.‏

وكـان قد تحكم عليه في خلافته أخوه الموفق وضيق عليه حتى إِنّه احتاج إِلى ثلاثمائة دينار فلم يجدها في ذلك الوقت فقال‏:‏ أليـس مـن العجائـب أنّ مثلي يرى مـا قـلّ ممتنعـاً عليـه وتؤخـذ باسمه الدنيا جميعاً ومـا مـن ذاك شـيء فـي يديـه خلافة أبي العباس أحمد المعتضد بالله وهو سادس عشرهم وفي صبيحة الليلة التي مات فيهـا المعتمـد بويـع لأبـي العبـاس أحمـد المعتضد بالله بن الموفق أبي أحمد طلحة بن المتوكل‏.‏

وفي هذه السنة توفي نصر بن أحمد الساماني فقام بما كان إِليه من العمل بما وراء النهر أخوه إِسماعيـل ابـن احمـد بـن أسـد بـن سامان‏.‏

وفي هذه السنة قدم الحسين بن عبد الله المعروف بابن الجصاص من مصر بهدايا عظيمة من خمارويه بن أحمد بن طولون صاحب مصر بسبب تزويج المعتضد بنت خمارويه‏.‏

وفيها توفي أبو عيسى محمد بن عيسى بن سودة الترمذي السلمي بترمذ في رجب وكان إِماماً حافظاً له تصانيف حسنة منها الجامع الكبير في الحديث وكان ضريراً وهو عن أئمة الحديث المشهورين الذين يقتدى بهم في علم الحديث وهو تلميذ محمد بن إِسماعيل البخاري وشاركه في بعض شيوخه مثل قتيبة بن سعيد وعلي بن حجر‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمانين ومائتين

فيها توفي جعفر بن المعتمد وهو الذي كان لقبه المفوض وخلعه

  ثم دخلت سنة إِحدى وثمانين ومائتين

فيها سار المعتضد إِلى ماردين فهرب صاحبها حمدان وخلى ابنه بها فقابله المعتضد فسلمها إِليه‏.‏

وفيها دخل طغج بن جف وكان عاملاً على دمشق من طرسوس إِلى بلاد الروم من قبل خمارويه وفتح وسبى‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن محمد بن أبي عبد الله بن أبي الدنيا صاحب التصانيف الكثيرة المشهورة‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين ومائتين

النيروز المعتضدي فيهـا أمـر المعتضـد بافتتـاح الخـراج فـي النيـروز المعتضـدي للرفـق بالناس وهو في حزيران من شهور الروم عند كون الشمس في أواخر الجوزاء‏.‏

قتل خمارويه فـي هـذه السنـة قتـل خمارويـه بن أحمد بن طولون ذبحه بعض خدمه على فراشه في ذي الحجة بدمشق وكان سببه أنـه نقـل إِلـى خمارويـه أن جواريـه قـد أخـذت كـل واحـدة منهـن خصيـاً وجعلته لها كالزوج وقصد خمارويه تقرير بعض الجواري على ذلك فاجتمع جماعة من الخدم واتفقوا على قتله ثم قتل من خدمه الذين اتهموا بذلك نيفاً وعشرين نفساً‏.‏

ولما مات خمارويه بايع قواده جيش بن خمارويه وكان صبياً وفيها توفي أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري صاحب كتاب النبات‏.‏

وفيها توفي الحارث ابن أبي أسامة وله مسند‏.‏

وفيها توفي أبو العينـاء محمـد بـن القاسـم وكـان روى عـن الأصمعـي وكـان ضريـراً صاحـب نـوادر وأشعـار وكـان مـن ظرفـاء الناس وفيه من سرعة الجواب والذكاء ما لم يكن في أحد وولد في سنة إِحدى وتسعين ومائتين وكف بصره وقد بلغ أربعين سنة ولقب بأبي العيناء لأنه قال‏:‏ لأبي زيد الأنصاري كيف تصغر عيناً فقال عييناً يا أبا العيناء فبقي عليه لقباً وكان قد ذكر للمتوكل للمنادمة فقال المتوكل‏:‏ لولا أنه ضرير لصلح لذلك وبلغ ذلك أبا العيناء فقال‏:‏ إن أعفاني من رؤية الأهلة فإِني أصلح للمنادمة‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلـاث وثمانيـن ومائتيـن

في هذه السنة خلع طغج بن جف أمير دمشق جيش بن خمارويه بدمشق واختلف جند جيش عليه لصباه وتقريبه الأرذال وتهديده لقواد أبيه فثاروا به فقتلوه ونهبوا داره ونهبـوا مصـر وأحرقوهـا وأقعـدوا أخـاه هـارون بـن خمارويـه فـي الولايـة وكانت ولاية جيش بن خمارويه تسعة أشهر‏.‏

وفي هذه السنة مات البحتري الشاعر واسمه الوليد بن عبادة بمنبـج أو بحلـب وكـان مولـده سنـة سـت ومائتيـن وفيهـا توفـي علـي بـن العباس المعروف بابن الرومي الشاعر وفيها أمر المعتضد أن يكتـب إلـى الأقطـار بـرد الفاضـل مـن سهـام المواريث على ذوي الأرحام وإبطال ديوان المواريـث‏.‏

مـن تاريـخ القاضـي شهـاب الدين بن أبي الدم قال‏:‏ وفيها أمر بكتبة الطعن في معاوية وابنه وأبيه وإباحة لعنهم وكان من جملة ما كتب في ذلك‏:‏ بعد الحمد لله والصلاة على نبيه وأنـه لمـا بعثـه اللـه رسـولاً كـان أشـد النـاس في مخالفته بنو أمية وأعظمهم في ذلك أبو سفيان ابن حـرب وشيعتـه مـن بنـي أميـة قـال اللـه تعالـى فـي كتابـه العزيـز ‏(‏والشجـرة الملعونة‏)‏ ‏(‏الإسراء‏:‏ 60‏)‏ اتفـق المفسـرون أنـهِ أراد بهـا بنـي أميـة‏.‏

ورأى النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم أبـا سفيان مقبلاً ومعاوية يقوده ويزيد أخو معاوية يسوق به فقال‏:‏ ‏(‏لعن الله القائد والراكب والسائق‏)‏ وقد روى أن أبا سفيـان قـال‏:‏ يـا بنـي عبـد منـاف تلقفوهـا تلقف الكرة فما هناك جنّة ولا نار‏.‏

وطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم معاوية ليكتب بين يديه فتأخر عنه واعتذر بطعامه فقال النبي صلى اللـه عليـه وسلـم ‏(‏لا أشبـع اللـه بطنـه‏)‏ فبقـي لا يشبـع وكان يقول‏:‏ والله ما أترك الطعام شبعاً وإنما أتركـه إعيـاء‏.‏

وروي أن النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم قـال‏:‏ ‏(‏إِذا رأيتـم معاويـة على منبري فاقتلوه‏)‏ وأطال في ذلك وأمر أن يقال ذلك في البلاد ولعن معاوية على المنابر فقيل له‏:‏ إِنّ في ذلك استطالـة للعلوييـن وهـم فـي كل وقت يخرجون على السلطان ويحصل به الفتن بين الناس فأمسك عن ذلك‏.‏

  ثم دخلت سنة أربـع وثمانيـن ومائتيـن

فـي هـذه السنـة أخبـر المنجمون الناس بغرق أكثر الأقاليم وأن ذلك يكون بسبب كثرة الأمطار وزيادة الأنهار فتحفظ النـاس فقلـت الأمطـار وغـارت الميـاه حتى استسقوا ببغداد مرات‏.‏

وفيها اختل حال هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون بمصر واختلف القواد عليه وانحل نظام مملكته وكان على دمشق من جهته طغج بن جف‏.‏

وفيها توفي إِسحاق بـن موسـى الإسفراييني الفقيه الشافعي‏.‏

  ثم دخلت سنة خمس وثمانين ومائتين

في هذه السنة سار المعتضد إِلى آمد فافتتحها بالأمان وكان صاحبها محمد بن أحمد بن عيسى بن الشيخ ثم سار المعتضد إِلى فنسرين فتسلمها وتسلم العواصم من نواب هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون صاحب مصر وكان هارون قـد سـأل المعتضـد فـي أن يتسلـم هـذه البلـاد منـه‏.‏

وفيهـا توفـي إِبراهيـم بن إسحاق وهو من أعيان المحدثين ببغداد‏.‏

  ثم دخلت سنة ست وثمانين ومائتين

في هذه السنة ظهر رجل من القرامطة بالبحرين يعرف بأبي سعيد الجنابي وكثر جمعه وقتل جماعة بالقطيف وبتلك القرى‏.‏

وفيها توفي المبرد وهو أبو العباس محمد بن عبد الله بن زيد وكان إِماماً في النحو واللغة وله التصانيف المشهورة منهـا‏:‏ كتـاب الكامـل والروضـة والمقتضـب وغيـر ذلـك أخـذ العلـم عن أبي عثمان المازني وغيره وأخذ عنه نفطويه وغيره وولد سنة سبع ومائتين والمبرد لقب غلب عليه قيل‏:‏ إِنه كان عند بعض أصحابه وأن صاحب الشرطة طلبه للمنادمة فكره المبرد المسير إِليه وألح الرسول في طلبه وكان هناك مزملة لتبريد الماء فارغة فدخل المبرد واختفى في غلاف تلك المزملة ودخل رسول صاحب الشرطة في تلك الدار وفتش على المبرد فلم يجده فلما تركه ومضى جعل صاحب الدار وكان يقال له أبو حاتم السجستاني يصفق وينادي على المزملة‏:‏ المبـرد المبرد وتسامع الناس بذلك فلهجوا به وصار لقباً على أبي العباس المذكور‏.‏

  ثم دخلت سنة سبـع وثمانيـن ومائتيـن

فـي هـذه السنـة استولـى إِسماعيـل بـن أحمـد السلمانـي صاحب ما وراء النهر على خراسان بعد قتال وأسر أمير خراسان وهو عمرو بن الليث الصفار ثم أرسله إِلى المعتضد ببغداد فحبس عمرو بها ولم يزل محبوساً حتى قُتل سنة تسع وثمانين ومائتيـن فـي الحبـس‏.‏

وفـي هـذه السنـة سـار محمـد بـن زيـد العلـوي صاحـب طبرستـان إِلـى خراسان لمـا بلغـه أسـر الصفـار ليستولـي عليهـا فجرى بينه وبين عسكر إسماعيل الساماني قتال شديد ثم انهزم عسكر العلوي وجرح جراحات عديدة ثم مات محمد بن زيد العلوي صاحب طبرستان المذكور من تلك الجراحات بعد أيام وأسر ابنه زيد في الوقعة وحمل إلى إسماعيل الساماني فأكرمه ووسع عليه وكانَ محمد بن زيد أديباً فاضلاً شاعراً حسن السيرة رحمه الله تعالى ثم قام بعده بالأمر الناصر للحق الحسن بن علي وكان يعرف بالأطروش وتوفي الناصر في سنة أربع وثلاثمائة على ما سنذكره إِن ساء الله تعالى‏.‏

وفيها مات علي بن عبد العزيز البغوي بمكة‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمان وثمانين ومائتين

ودخلت سنة تسع وثمانين ومائتين في هذه السنة كانت حروب بالشام بين طغج بن جف أمير دمشق وبين القرامطة‏.‏

  وفاة المعتضد

فـي هـذه السنـة لثمـان بقيـن مـن ربيـع الآخر توفي أبو العباس أحمد المعتضد ابن طلحة الموفق بن جعفر المتوكل بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد ودفن ليلا في دار محمد بن طاهر وكان مولده في ذي الحجـة سنـة اثنتيـن وأربعيـن ومائتيـن‏.‏

وكانـت خلافتـه تسـع سنيـن وتسعـة أشهـر وثلاثـة عشر يوماً وخلـف مـن الذكـور عليـاً وهـو المكتفـي وجعفـر أو هـو المقتـدر وهـارون وخلـف إِحدى عشرة بنتاً ولما حضرت المعتضد الوفاة أنشد أبياتاً منها‏:‏ ولا تأمنن الدهَر إِني أمنته فلم يبق لي خلا ولم يرع لي حقا قتلت صناديدَ الرجالِ ولم أدع عدواً ولم أمهل على طغيه خلقا وأخليت دار الملك من كل نازع فشردتهم غرباً ومزّقتهم شرقـا فلما بلغت النجـمٍ عـزاً ورفعـة وصارت رقاب الخلق أجمع لي رقا وكان المعتضد شهماً مهيباً عند أصحابه يتقون سطوته ويكفون عن المظالم خوفاً منه وكان فيه الشح وكان عفيفاً حكى القاضي ابن إِسحاق قال‏:‏ دخلت على المعتضد وعلى رأسه أحـداثٌ رومٌ صبـاح الوجـوه فأطلـت النظـر إِليهم فلما قمت أمرني بالقعود فجلست فلما تفرق الناس قال‏:‏ يا قاضي والله ما حللت سراويلي على حرام قط‏.‏

  خلافة المكتفي بالله

وهو سابع عشرهم لما توفي المعتضد بايع الناس ابنه المكتفي وكان بالرقة فكتب الوزير إِليه بوفاة المعتضد وأخذ البيعة له ولما وصله الخبر أخذ البيعة على من عنده أيضاً وسار إلى بغداد فدخلها لثمان خلون من جمادى الأولى‏.‏

وفي هـذه السنـة توفـي إِبراهيـم بـن أحمـد بـن إِبراهيـم بـن الأغلـب صاحـب إِفريقيـة كمـا تقـدم ذكـره فـي سنـة إِحـدى وستيـن ومائتيـن وملـك بعـده ابنـه عبد الله بن إبراهيم ثم قتل عبد الله آخر شعبان فـي سنـة تسعيـن ومائتيـن علـى مـا سنذكـر إن شـاء اللـه تعالـى‏.‏

وكـان سكنـى عبـد اللـه وقتلـه بمدينة تونس وكان كثير العدل حسن السيرة‏.‏

  ثم دخلت سنة تسعين ومائتين

في هذه السنة اشتدت شوكة القرامطة حتى حصروا دمشق بعد أن هزموا جيش أميرها طغج ين جف ثم اجتمعت عليهم العساكر وقتلوا مقدمهم يحيى المعروف بالشيخ ولما قتل مقدم القرامطة يحيى المذكور قام فيهم أخوه الحسين وتسمى بأحمد وأظهر شامة في وجهه وزعم أنها آيته وكثر جمعه فصالحه أهل دمشق على مال دفعوه إِليه فانصرف عنهم إلى حمص فغلب عليها وخطب له على منابرها وتسمى بالمهدي أمير المؤمنين وعهد إِلى ابن عمه عبد الله ولقبه المدثر وزعم أنه المدثر الذي في القرآن ثم سار إِلى حماة والمعرة وغيرهما فقتل أهلها حتى قتل الأطفال والنساء وسار إلى سلميـة فأخذهـا بالأمـان ثم قتل أهلها حتى صبيان المكتب ولما اشتد أمر القرمطي صاحب الشامة المذكور خـرج المكتفي من بغداد ونزل الرقة وأرسل إِليه الجيوش‏.‏

  ثم دخلت سنة إِحـدى وتسعيـن ومائتيـن‏:‏

فـي هذه السنة واقعت عساكر الخليفة صاحب الشامة القرمطي وأصحابه بمكان بينه وبين حماة اثنا عشـر ميـلا لسـت خلـون مـن المحـرم فانهزمـت القرامطـة وتبعهـم العسكـر يقتلونهـم وهـرب صاحـب الشامـة ومعـه ابـن عمـه المدثـر وغلـام لـه رومي فأمسكوا في البرية وأحضروا إِلى المكتفي وهو بالرقة فسار بهم إِلى بغداد وقتلهـم وطيف برأس صاحب الشامة‏.‏

ومن كتاب الشريف العابد أنّ المكان الذي كان فيـه الوقعـة المذكـورة هـو تمنع أقول‏:‏ وهي قرية من بلاد المعرة على الطريق الآخذة من حماة إِلى حلب وفيها توفي ببغداد أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد المعروف بثعلب كان إِمام الكوفيين في النحو واللغة ثقة حجة صالحاً وولد في أول سنة مائتين‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين ومائتين‏.‏

استيلاء المكتفي على الشام ومصر في هذه السنة بعث المكتفي جيشاً مع محمد بن سليمان فاستولى على دمشق وسار حتى دنـا مـن مصـر وصاحبهـا هـارون بـن خمارويـه ففارقـه غالـب قواده ولحقوا بعسكر الخليفة وخرج هارون فيمن بقي معه وجرى بينه وبين محمد بن سليمان وقعات ثم وقع في عسكر هارون خصومة وأدت إِلى قتال فركب هارون ليُسكـن الفتنـة فزرقـه بعـض المغاربـة بمـزراق فقتله ولما قتل هارون قام عمه شيبان بالأمر ثم طلب الأمان من محمد بن سليمان فأمنه ثم هـرب شيبـان تحت الليل فلم يوجد واستولى محمد بن سليمان على مصر وأمسك بني طولون وكانوا بضعة عشر رجلاً واستصفى ما لهم وقيدهم وحملهم إِلى بغداد وكتب إِلى المكتفي بالفتح وكان ذلك في صفر من هذه السنة‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين ومائتين‏.‏

  أخبار القرامطة

في هذه السنة بعد استيلاء عسكر الخليفة على مصر وتوجه محمد بن سليمان عنها خرج ببلاد مصر خارجي يدعى الخلنجي وقويت شوكته فسار إِليه عامل دمشق أحمد بن كيغلغ وطمعت القرامطة في دمشق بحكم غيبـة عاملهـا وقصدوهـا فهبـوا وقتلـوا ونهبـوا طبريـة ثـم ساروا إِلى جهة الكوفة فسير المكتفي إِليهم عسكراً مع قواده المختصين به مثل رصيف بن صوار تكين التركي والفضل ابن موسى بن بغا وبشر الخادم الأفشيني ورايق الجزري فاقتتلوا وتمت الهزيمة على عسكر الخليفة فقتل منهم خلق كثير وغنمت القرامطة منهم شيئاً كثيراً فتقووا به‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفـي عبـد الله بن محمد الناشئ الشاعر ونصر بن أحمد الحافظ‏.‏

وفيها توفي أحمـد الزنديق بن يحيى بن إِسحاق المعروف بابن الراوندي المتكلم صنف عدة كتب في الكفر والإِلحاد ومناقضة الشريعة منها قضيب الذهب وكتاب اللامع وكتاب الفرند وكتاب الزمردة وغير ذلك وقد أجاب العلماء عن كل ما قاله من معارضة القرآن العظيم وغيره من كفرياتـه وبينـوا وجـه فسـاد ذلـك بالحجـج البالغـة فمن قوله لعنه الله في كتاب الزمردة‏:‏ إِنّا نجد في كلام أكثم بن صيفي ما هو أحسن من قوله‏:‏ ‏(‏إِنا أعطيناك الكوثر‏)‏ وقال‏:‏ إن الأنبياء وقعوا طلسمـات جذبوا بها دواعي الخلق كما يجذب المغناطيس الحديد ووضع كتاباً لليهود وللنصـارى يتضمن مناقضة دين الإسلام وقال لليهود‏:‏ قولا عن موسى ابن عمران أنه قال لا نبي بعـدي وقـال فـي كتـاب الفرنـد‏:‏ إِن المسلميـن احتجـوا لنبـوة نبيهـم بالقرآن الذي تحدى به النبي صلى الله عليه وسلم فلم تقدر العرب على معارضته فيقال لهم‏:‏ أخبرونا لو ادعى مُدع لمن تقدم من الفلاسفة مثل دعواكم في القرآن فقال‏:‏ الدليل على صدق بطليموس وإقليدس أن إِقليدس ادعـى أن الخلق يعجزون عن أن يأتوا بمثل كتابه كانت نبوته تثبت‏.‏

وقال‏:‏ قوله تعالى ‏(‏إِن كيد الشيطـان كـان ضعيفاً‏)‏ أي ضعف به وقد أخرج آدم من الجنة وله من هذا شيء كثير أضربنا عن ذكره‏.‏

وكان موته لعنه الله برحبة مالك بن طوق وذكر أن عمره كان ستاً وثلاثين سنة هكـذا وجدت أخباره وتاريخ وفاته في تاريخ القاضي شهاب الدين بن أبي الدم الحموي وقد وجدته في تاريخ القاضي شمس الدين بن خلكان أن وفاته كانت في سنة خمس وأربعين ومائتين وقيل في سنة خمسين ومائتين والله أعلم بالصواب‏.‏

  ثم دخلت سنة أربـع وتسعين ومائتين

في هذه السنة أخذت القرامطة الحجاج من طريق العراق وقتلوهم عن آخرهم وكانت عدة القتلى عشرين ألفاً وأخذوا منهم أموالاً عظيمة وكان كبير القرامطـة ذكرويـه فجهـز المكتفـي إليهـم عسكـراً واقتتلـوا فانهزمـت القرامطـة وقتـل منهـم خلق كثير وأسر ذكرويه الملعون مجروحاً فبقي ستة أيام ومـات وقـدم العسكـر برأسـه إِلـى بغـداد وطيف به‏.‏

وفي هذه السنة توفي محمد بن نصر المروزي بسمرقند وله تصانيف كثيرة‏.‏

  ثم دخلت سنة خمـس وتسعيـن ومائتيـن

فـي هـذه السنـة فـي صفـر توفـي إِسماعيـل بـن أحمـد بـن أسـد السماني صاحب ما وراء النهر وخراسان وولي بعده ابنه أبو نصر أحمد بن إِسماعيل وأرسل وفاة المكتفي في هذه السنة لاثنتي عشرة ليلة خلت من ذي القعدة توفي المكتفي بالله أبو محمد علي بن المعتضد بالله أبي العباس أحمد بن الموفق بالله أبي أحمد طلحة بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد بن هارون الرشيد وكانت خلافته ست سنين وستة أشهر وتسعة عشر يوماً وكان عمره ثلاثاً وثلاثين سنة وكان ربعة جميلا رقيق السمرة حسن الوجه والشعر وافـر اللحيـة وأمه أم ولد تركية تدعى حجك وطالت مرضته عدة شهور ودفن في دار محمد بن طاهر‏.‏